بسم الله الرحمن الرحيم
«إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ» (أنبیاء/۹۲)
بفضل الله تبارك وتعالی تمّت إقامة مؤتمر الوحدة الإسلامية الدولي بدورته السادسة والثلاثين تحت عنوان «الوحدة الإسلامية والصلح والحذر من الفرقة والصراع في العالم الإسلامي، الحلول التنفيذية والتدابير العملية» بمشاركة واسعة من العلماء والنخب من مختلف الدول الإسلامية وذلك بكلمة افتتاحية ألقاها فخامة رئيس الجمهورية آية الله السيد إبراهيم الرئيسي في مركز المؤتمرات الدولية للجمهورية الإسلامية تلتها كلمات أخری تمّ إلقاها عبر الفضاء الافتراضي من قبل ما يقارب مأتي شخصية علمية وثقافية من داخل إيران وخارجها.
لقد تمت إقامة هذا المؤتمر في ظروف يحتاج فيها العالم بعامة والعالم الإسلامي بخاصة إلي العدالة والسلام أكثر من أيّ وقت مضی. كان النبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم أسوة للسلام والأخوة حيث كان يشجع المسلمين علی الأخوة والمودّة وتجنب الصراع. إنّ الهدف من بعثته صلی الله عليه وآله وسلم هو إحياء الأخلاق الإسلامية السامية في المجتمع وتعليم العدالة والسلام للعالم. كما أنّ مراجعة سيرته العطرة من شأنها أن تشقّ الطريق نحو تحقيق العدالة والسلام وتجنب التفرقة والتشرذم في العالم الإسلامي.
منذ قرنين من الزمن یسعی الاستكبار العالمي بقيادة الولاية المتحدة والغرب النهّاب إلی تحقيق مشروعين أساسين الأول تمزيق العالم الإسلامي وتفتيته ونهب ثرواته وخيراته والثاني ترويج الثقافة العلمانية والليبرالية بين الشعوب المسلمة بعامة وفئة الشباب بخاصة. إن هذين المشروعين يمثلان منشأ لكثير من الصراعات وحالات القتل والنهب في الدول الإسلامية.
ومن أجل مواجهة هذه المكائد أطلق المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية علی المؤتمر السادس والثلاثين للوحدة الإسلامية عنوان "الوحدة الإسلامية والصلح والحذر من التفرقة والصراع في العالم الإسلامي، الحلول التنفيذية والتدابير العملية".
وفيما ألقي من كلمات وما دار من نقاشات ومداولات تمّ تناول الموضوعات المتعلقة بمحاور المؤتمر وهي:
الأول: الحرية الفكرية الدينية، وقبول الاجتهاد المذهبي والثاني: مواجهة تيار التكفير والتطرف، الثالث: المواساة الإسلامية وتجنب التخاصم والنزاع، الرابع: الاحترام المتبادل بين المذاهب الإسلامية، ومراعاة أدب الاختلاف والنأي عن النزاع وانتهاك الحرمات والإهانة، الخامس: مشروع الأمة الواحدة ورابطة البلدان الإسلامية ونقد الإطارات القائمة.
واهتمّ المؤتمر، إلى جانب تلك المحاور، بقضية تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني وشرح ما يحاك وراء الكواليس بهذا الخصوص.
ولقد حظي المؤتمرون بلقاء قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي حيث ألقى سماحته كلمة بيّن فيها حاجة المسلمين الملحة إلی الوحدة بما يؤمّن المصالح المشتركة لمواجهة التحديات القائمة.
كان أهمَّ ما شغل بال المشاركين الكرام، وما تحدثوا عنه في كلماتهم ومُداخلاتهم والمشترك في كل ما تفضلوا به سنبيّنه في النقاط التالية:
1. إنّ واقع الساحة العالمية يتطلب من كل أصحاب القرار السياسي ومن كل الأطياف الفكرية والعلمية والإعلامية والفنية أن يعملوا على إخماد نيران الحروب العدوانية وأن يوفّروا الأجواء لإحلال السلام في ربوع المعمورة وهذا يتطلب تعاونًا دوليًا مخلصًا بعيدًا عن ممارسة الضغوط والتهديد، وعن تدخل القوى التي تعمل جاهدة على إشعال نيران الفتن والحروب في العالم.
2. إنّ الأزمات الموجودة في العالم بعامة وفي الدول الإسلامية بخاصة والتي تتمثل في الحروب والصراعات وحالات الإرهاب إلي جانب سوء الإدارة وعدم أهلية المجتمعات الدولية لمعالجة هذه الأزمات لهي أمورٌ تظهر ضرورة مبادرة الدول الإسلامية إلي معالجتها أكثر من أي وقت مضی. إنّ جذور الإرهاب لا يمكن استئصالها إلا بتجفيف مصادر تغذيتها بالمال والسلاح والفكر المتطرّف المتخلّف وهذا يحتاج إلى توعية شاملة للأمة.
3. من الضروري إشاعة مفهوم الأخوّة الإسلامية بين المسلمين في البلدان الإسلامية وخارجها باعتباره فريضة يجب تربية الأجيال عليها، مع بيان ما تستوجبه هذه الفريضة من سلوك وتعامل، والتأكيد على أن هذه الفريضة الإنسانية الإسلامية الهامة لا يمكن تحقيقها إلاّ بإزالة الأغلال من القلوب إذ لا تتحقق الأخوّة مع وجود الأغلال، الطائفية منها والعنصرية والذاتية والأنانية، والآية الكريمة ترشدنا إلى ذلك بقوله تعالى: "وَنَزَعنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا ".
4. طالب المؤتمرون بتوسيع الحوارات العلمية بين العلماء والشخصيات الدينية والثقافية الفاعلة في العالم الإسلامي وبتبيان الأساليب التي يعتمد عليها الاستكبار العالمي لإزالة الأخوة الإسلامية ولإشاعة الإرهاب كما طالبوا بتبيان طرق مواجهة هذه الأساليب وبتحقيق الاستفادة القصوی من نفوذ القادة الدينيين والاجتماعيين في الدول الإسلامية لتحقيق هذا الهدف.
5. ركز المشاركون على القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المحورية على الساحتين الدولية والإسلامية، وأكدوا أن السلام والأمن والاستقرار في المنطقة بل في العالم لا يمكن أن يستتب إلا بإزالة بؤر الأزمات المتمثلة بالصهيونية العالمية وغدّتها السرطانية إسرائيل.
6. اعتبر المشاركون التطبيع خيانة عظمی بحق الشعب الفلسطيني مؤكدين أنّ تسارع بعض الدول إلی ذلك يشجع الاحتلال على التمادي في غيّه وبطشه وعدوانه، ودعوا تلك الدول إلى إعادة النظر في مواقفها وطالبوا شعوب تلك البلدان أن تعلن مواقفها لهذا التراجع المذلّ.
7. يحيّي المشاركون فصائل المقاومة الصامدة في وجه الاحتلال الصهيوني مطالبين بلدان العالم الإسلامي مساندتها ومساعدتها فإنها تمثل رمز ما نحن عليه من عزّة وكرامة.
8. نظراً إلي إزاحة الستار عن كتابي "الوحدة في النظام الفكري للسيد القائد" و "بناء المستقبل الإسلامي والحضاري علی ضوء فكر الإمام الخامنئي" في الحفل الافتتاحي أكد المؤتمرون علی ضرورة الاهتمام بالرؤية الكلية والشاملة لسماحة القائد حفظه الله بوصفه حامل راية الوحدة والتقريب في العالم الإسلامي متقدمين بشكرهم وامتنانهم لتأكيد سماحته المستمر علی ضرورة التوفيق بين قضية الوحدة الإسلامية والحضارة الإسلامية الحديثة وكذلك لتأکيده علی ضرورة انطلاق الأمة نحو تحقيق الحضارة الإسلامية الحديثة باعتبارها أسمی الغايات والأهداف للأمة.
9. إنّ المقترح المُبدِع الذي طرحه الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية والذي يقضي بإنشاء «رابطة الدول الإسلامية» وبتبيان إطارها لقي ترحيباً واسعاً من قبل المشاركين في المؤتمر الذين أكدوا علی ضرورة إنشاء لجنة لإعداد الخطة التنفيذية لتأسيس اتحاد الدول الإسلامية.
10. علی المستوی الثقافي ونظراً إلی موضوع المؤتمر طالب المشاركون بما يلي: الارتقاء بمستوی الوعي لدی المسلمين في مختلف المجالات خاصة في مجال فهم الإسلام واستيعاب تعاليمه وأهدافه؛ تنشئة الجيل الناشئ علی ضوء ثقافة المقاومة والعزة مع التأكيد علی الدور الإيجابي لفئات المجتمع المختلفة خاصة النساء والشباب منهم؛ مساعدة الأقليات المسلمة في مختلف دول العالم علی الحفاظ علی هويتهم وإقامة شعائرهم الدينية وتعزيز دورهم وفي نفس الوقت مراعاة حقوق غير المسلمين في المجتمعات الإسلامية؛ توفير الأرضية الملائمة لإعانة الفقراء والمحتاجين في العالم الإسلامي.
أما علی المستوی البحثي والفكري فقد طالب المؤتمرون بما يلي: نشر الفكر المعتدل في فهم الشريعة الإسلامية المستوحاة من الكتاب والسنة النبوية الشريفة؛ الاعتماد علی الفكر التقريبي في مختلف الميادين البحثية؛ الترويج لمنطق الحوار بين المسلمين؛ تعزيز الدراسات التقريبية في الجامعات والمراكز البحثية من خلال تأسيس اختصاص التقريب بين المذاهب الإسلامية في الجامعات ورفع مستوی التبادل العلمي بينها؛ دراسة سبل التعاون والتآزر في مختلف المجالات العلمية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في العالم الإسلامي.
11. أحیی المؤتمرون ذكری العلماء الذين نذروا حیاتهم للتقريب والوحدة الإسلامية من أمثال: السيد جمالالدین الأسدآبادی، الشیخ محمد عبده، الإمام محمود الشلتوت، آیة الله السيد البروجردی، الإمام الخمینی، الإمام المودودی، الإمام كفتارو، الإمام السید موسی الصدر، آیة الله واعظزاده الخراسانی، الشیخ رمضان البوطی، الشیخ أحمد الزين، آیة الله التسخیری، الحاج قاسم السلیمانی و ابومهدی المهندس.
وفي الختام عبّر المشاركون في المؤتمر السادس والثلاثين، عن شكرهم الجزيل للجمهورية الإسلامية في إيران والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية وخاصة أمينه العام الشيخ الدكتور حميد الشهرياري لإقامة هذا المؤتمر والاهتمام بأمر الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب الإسلامية. وتمنّوا للجمهورية الإسلامية أن تواصل هذه الطريق ذات الشوكة حتى تحقيق النصر النهائي للأمة بإذن الله تعالى.