لا شك أننا لسنا نتغنى بالماضي، بل نأخذ منه العظة العبرة، ونستلهم من ذوي النفوس الطاهرين العابرة للزمان والمكان الدروس والمعارف لإصلاح ما يفسد منا، وعلى هذا فإننا أمام خطين متوازيين، أحدهما يقوم على بناء النفس والأمة على ما ينبغي أن يكون عليه هذا البناء، والآخر هو: ما هو عليه واقع هذه الأمة وهذه البشرية.
والإنسان الرسالي لا شك أنه مخاطب لأداء دوره الرسالي الذي ما هو امتداد لخط الأنبياء والرسل والأوصياء، وفي الوقت نفسه يراعي الواقع ومستواه العقلي والنفسي، مع مراعاة التحديات التي تواجه رسالته وما يحمله من مسؤولية التبليغ، وليس الكلام هنا أن يطوع نفسه للواقع الفاسد إن كان كذلك، أو الواقع إن كان قد خرج عن صراط الاستقامة، بل عليه العمل وفق مقتضيات الرسالية، بمراعاة الفروق الفردية، والتحلي بالبصيرة لوضع القدم حيث ينبغي وضعها، وتجنيب نفسه والرسالة الأسواء، ومن هنا سوف يفتح لدينا باب السؤال المهم:
على ما بنيت الدعوة الرسالية؟، ما هي أهم مهام الفرد الرسالي؟، وما هي العقبات أمام مهمته الرسالية؟، وكيف يمكن تفاديها؟
فإذا عرفنا ذلك نستطيع أن ندرك جيداً عناصر السلام ما هي، وعلى ما يقوم العدل عليه وبه، وكيف يمكن مواجهة الإرهاب بكل أصنافه وأشكاله، وكيف يمكن تعزيز الأخوة، وكيف يمكن تحقيق الأهداف الرسالية للإمة.
فنقول وباختصار: إن العنصر الوحيد الجامع لكل التعزيزات الإيجابية، وفي الوقت نفسه يحمل عناصر المقاومة لكل ما يخالف الطبيعة الوجودية هو: "التوحيد"، وإعطاء التوحيد حقه من المحورية؛ ومن أصل كل حق لكل شيء على الإطلاق؛ هو الضمان الأكيد لتحقيق الأمة الواحدة، ولتحقيق الامة العزيزة والقوية والعالمة والغنية في كل قدراتها ومكوناتها ومواردها وجوداً واستدامة.
وقد يتبادر إلى الذهن سؤال مفاده: أن الجميع موحد لله تعالى، ومع ذلك لا نجد ذلك الانسجام والوحدة!!.
الجواب: إننا لو رجعنا إلى المعارف القرآنية إلى المعارف الإسلامية إلى معارف الثقلين سيتبين لنا أن مسار التوحيد يمشي بصورتين، أحدهما مسار الدخول، إلا أنه أصبح وكأنه هو المسار النهائي.
والآخر مسار التحقق وهو المطلوب لتحقق مقومات النجاح الحضاري،
أما الأول: فهو الذي يقوم على التشهد بالشهادتين، وبه تحقن الدماء والأعراض والأموال، وهذا التوحيد مطلوب وأساسي، إلا أنه غير كاف لتحقيق الحضارة والسلام والعدالة والحقوق، لأن الوحيد المحقق لهذا كله هو: "التوحيد التحققي"، فإذا أرادت الأمة أن تنهض بنفسها، وتقوم في وجه العدو وعلى كل المستويات وتهزمه هزيمة سلام وبصيرة فعليها أن تنهض بنفسها إلى التحقق بـ"التوحيد"، أي أن تلبس لباس التوحيد، أي أن تتحقق باسماء الله وصفاته، والطريق لتحقيق ذلك ما هو إلا: "التقوى"، وليس أي نحو من نحاء التقوى بل التقوى القرآني، عندئذ سوف تتبين لنا مجموعة من المفاهيم ما هي عليه والتي منها:
العدالة فهل تحكمها الأحكام الاعتبارية أم أن احكامها بمقتضى طبيعتها الوجودية، وتفرض أحكامها من الاحتياج الذاتي للكائنات؟، وكذا الحال بالنسبة إلى مفهوم الحقوق؟، وكذا الحال بالنسبة إلى السلام؟
وإننا في زمن انفتاح الجميع على الجميع، الأمر الذي وسع من دوائر المفاهيم الإيجابية والسلبية على حد سواء، قبيل التعايش كصفة إيجابية، ومن قبيل الإرهاب كصفة سلبية، فكان لابد من التعامل مع هذه المفردات وفق متطلبات الطبيعة الإنسانية، وبمقتضيات التوحيد الخالص.
المؤلفون:
هلال بن حسن بن علی اللواتی
المستخلص:
الكلمات الرئيسية:
التوحيد، الاحتياج الذاتی، العزه، الدور التنظيمی والتأسيسی، القيم الأخلاقيه، الانسانيه، الاخوه، الارهاب.